أعلان الهيدر

الرئيسية نوادر ذكاء العرب من كتاب الأذكياء لابن الجوزى

نوادر ذكاء العرب من كتاب الأذكياء لابن الجوزى

كتاب الأذكياء 
من الكتب الطريفة التي ألفها ابن الجوزي، وهو كتابٌ صغير الحجم كبير الفائدة، بين فيه المؤلف حقيقة الذكاء وأهميته وما جاء فيه من النصوص والأقوال، من خلال عشرات الحكايات الممتعة اللطيفة التي ذكرت عن الأذكياء العرب والمسلمين في كل العصور. والغرض من الكتاب تمجيد العقل البشري وتمجيد البشر الذين أسبغ الله عليهم نعمة الذكاء، فضلاً عن المتعة التي توفرها قراءة حكاياته اللطيفة ونوادره الرائعة. 

من ذكاء النبي صلى الله عليه وسلم 

حكى الصحابي الجليل أبو هريرة *رضي الله عنه قال: إن رجلاً من المسلمين جاء إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم واشتكى له قائلاً: 
- يا رسول الله عندي جارٌ يضايقني ويسبب لي الأذى والضرر، وكلما أحاول أن أنبهه إلى سوء فعله في إيذائي كان يسخر مني ويزيد في فعله السيء هذا. 
ففكر الرسول الكريم قليلاً ثم طلب من الرجل أن يعود إلى بيته ويخرج حاجاته وأغراضه ويكدسها أمام البيت، وسيمتنع الرجل عن إيذائه.

دهش الرجل أول الأمر وسأل نفسه: (ما علاقة حاجاتي بهذا؟). لكنه كان يعرف فطنة الرسول الكريم وذكاءه. فعاد إلى البيت وأخرج كل ما في البيت من فراس وأسرةٍ وأوانٍ. وعندما كان الناس يمرون أمام بيته كانوا يشعرون بالدهشة، فسأل أحدهم الرجل: 
- ماذا جرى لك؟ 
قال الرجل: إن جاري أبا فلان يزعجني ويؤذيني فذكرت قصتي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فطلب مني أن أفعل هذا؟ 
وعندما سمع الحاضرون ذلك شعروا بالأسف وراحوا يلعنون ذلك الجار الجاحد قائلين: اللهم العنه.. اللهم اجلب له الخزي والعار. 
ثم مضوا وجاء آخرون وسمعوا القصة وراحوا يلعنون الجار قائلين: 
- اللهم افضحه، اللهم اجعله في النار. 
وعندما سمع ذلك الجار ما كان يجري، حضر مسرعاً وهو يلهث وعرق الخجل يتصبب من جبينه وقال: 
- يا جاري العزيز.. العفو.. والرحمة.. عد إلى بيتك وإلا جلبت علي لعنات المسلمين وغضبهم.. عد إلى بيتك فو الله لن أؤذيك بعد اليوم أبداً. 


سارق الإوز 

كان ياما كان في عهد النبي سليمان**"عليه السلام" كان هناك رجلٌ يمتلك قطيعاً من الإوز, يربيه ويرعاه ويعيش من بيعه وبيع بيضه، ولكن ذلك الرجل المسكين كان يجد إوزاته تنقص كل يوم، فكان كلما نهض في الصباح وأطل على قطيع الإوز وعده وجده ناقصاً إوزةً أو اثنتين، فساورته الشكوك في أحد جيرانه، فذهب إلى نبي الله سليمان عليه السلام وقال له بألم ورجاء: 
- يا نبي الله.. إن جاري يسرق إوزي. 
نظر إليه النبي سليمان بإمعانٍ، وكان مشهوراً بالفطنة والذكاء الحاد، فلمس صدقه وضعف حاله فطمأنه وقال لرجاله: 
- ادعوا الناس إلى الصلاة الجامعة. 
وانطلق رجال النبي سليمان في الشوارع والحارات، وراحوا يدعون الناس إلى الصلاة الجامعة في المسجد، حتى خلت المدينة ولم يبق فيها أحدٌ يمشي في الشارع أو يمكث في البيت، ذلك أن النبي سليمان كان إذا أراد أن يخبرهم بخبر هامٍ دعاهم إلى الصلاة. 
غص المسجد بالناس، وصعد النبي سليمان إلى المنبر وراح يخطب وهو يلقي نظراتٍ فاحصةٍ على جموع الناس، حتى قال في خطبته: 
- إن واحداً منكم يسرق إوزة جاره ثم يدخل المسجد والريش على رأسه. 
وهنا مسح أحد الحاضرين بيده على رأسه.. فلمحه النبي سليمان وصاح: 
- هذا هو السارق فخذوه.

فأخذ الحراس السارق الذي دهش، وكان يردد في نفسه: 
- كيف عرفني النبي سليمان، ولم يكن هناك ريشٌ على رأسي؟! 


إياس قاضي البصرة

في البصرة وقبل أكثر من ألفٍ وثلاثمائة عام كان يتولى مهمة القضاء بين الناس شابٌ فطنٌ لامع الذكاء اسمه إياس بن معاوية، وكان إياس موهوباً منحه الله قدرةً على حل المشاكل المعقدة والألغاز المحيرة. 
وذات يوم دخل إلى مجلس القاضي رجلان، كان الأول باكياً نادباً خائفاً وهو يقول: يا سيدي القاضي، دفعت إلى صديقي هذا "أبي حسان" مئة ألف درهم، وقلت له إنها أمانةٌ عندك.. احفظها لي حتى أعود من سفري. 
وها أنذا عدت من سفري وطلبت منه أن يرد مالي فأبى وأنكر. 
سأله القاضي: 
- ومن كان معكما عندما أعطيته المال؟ 
قال الرجل باكياً: 
- لم يكن معنا أحدٌ. فقد خرج ليودعني، وعندما وصلنا إلى شجرةٍ تقع خارج سور المدينة أعطيته المال.. يا ويلي.. ليتني لم أسافر ولم أعرف أبا حسانٍ هذا!! 
فكر القاضي ملياً ثم قال للرجل: 
- أهدأ يا رجل، واذهب إلى موضع الشجرة التي أعطيته قربها مالك.. لعل الله تعالى يوضح لك هناك ما يساعدك على الوصول إلى حقك، أو ربما دفنت مالك بقرب الشجرة فتتذكر ذلك. 
ثم التفت إلى أبي حسان وقال له: 
- أما أنت فاجلس هنا إلى جانبي حتى يعود صاحبك. 
ومضى القاضي إياس يقضي بين الناس وهو ينظر إلى أبي حسان بين آونةٍ وأخرى. وبعد مدةٍ فاجأه بهذا السؤال: 
- يا أبا حسان: أترى صاحبك قد وصل الآن إلى موضع الشجرة التي أودعك بقربها المال؟ 
رد الرجل بسرعةٍ: لا.. إنه يحتاج إلى زمنٍ أطول لوصوله إليها.

فصرخ القاضي بوجهه: 
- يا عدو الله يا خائن الأمانة. 
فتلعثم الرجل وارتبك وأمسك بيد القاضي ليقبلها وهو يقول: 
- سامحني.. ليحفظك الله أيها القاضي.. سامحني. 
فأمر إياسٌ رجال شرطته أن يحجزوا الخائن حتى يعود صاحبه، فلما عاد هذا وهو لاهثٌ مرتبكٌ يشكو سوء حظه وضياع ماله قال له إياس: 
لقد اعترف الرجل بمالك فخذه منه. 
* * * 
... ومما يحكى عن إياس أيضاً: 
ذهب القاضي إياس إلى الحج وفي الطريق نزل مع أصحابه بقريةٍ فسمع نباح كلبٍ فقال: هذا كلبٌ مشدود. ثم سمع نباحه بعد قليل فقال: 
- لقد فكوا وثاق الكلب. 
فلما وصلوا إلى القرية وسألوا عن الكلب وجدوا الحكاية صحيحةً. فقال أحدهم لإياس: 
- وكيف عرفت ذلك؟

قال: لقد كان نباح الكلب يسمع من مكان واحد فعرفت أنه مقيد. 
ثم سمعت صوته يقرب مرة ويبعد أخرى فعرفت أنه قد أطلق. 


أتمم ليلتك بالشكر 


كان يعيش ببغداد عالمٌ فقيه، ومجتهدٌ كبير اسمه أبو حنيفة النعمان**** . 
وكان الناس يلجأون إليه بمشاكلهم وأسئلتهم فيجدون عنده صدراً رحباً وعقلاً كبيراً، فضلاً عن روحٍ مرحةٍ وذكاءٍ لامع. 
وذات يوم جاء إلى أبي حنيفة صديقٌ له، وكان شديد القلق كثير الاضطراب، فسأله أبو حنيفة: 
- ماذا جرى لك يا رجل؟ 
رد الرجل بيأس: 
- لقد دفنت مالي في مكانٍ ما، ونسيت ذلك المكان، وأخشى أن تضيع ثروتي.. فساعدني ساعدك الله! 
صمت أبو حنيفة ملياً وفكر عميقاً ثم قال لصاحبه: 
- يا صاحبي.. هذا ليس أمراً فقهياً فأجيبك عنه، وليس لغزاً لأفكر لك بحل فيه، ولكن ما عليك إلا أن تذهب إلى بيتك وتصلي الليل كله حتى الغداة، فإنك ستذكر المكان بعون الله تعالى.

عاد الرجل إلى بيته حزيناً يائساً وراح يصلي مثلما قال له أبو حنيفة، ولم يمضٍ من الليل إلا قليلٌ حتى تذكر المكان، فترك الصلاة وأسرع إلى أبي حنيفة منطلقاً فرحاً. 
- شكراً لله.. شكراً لله.. لقد تذكرت المكان.. ولكن قل لي يا أبا حنيفة كيف أمكنني أن أتذكر؟ 
فرد أبو حنيفة قائلاً: 
- يا صاحبي، حين طلبت إليك الصلاة عرفت أن الشيطان لن يدعك تصلي حتى تذكر موضع المال... وها أنت فعلت وتذكرت ولكن هلا أتممت ليلتك بالشكر لله عز وجل؟ 
خجل الرجل وهز رأسه موافقاً: نعم.. نعم.. 


طماع يشتري ما باع 

ومن الحكايات الطريفة التي يرويها الإمام أبو حنيفة عن نفسه أنه قال: 
كنت ذات يوم في سفر طويل، واحتجت إلى الماء وأنا في البادية، فجاءني أعرابيٌ ومعه قربةُ ماء، فقلت له: 
- أعطني جرعة ماءٍ أيها الصديق. 
فقطب الأعرابي جبينه وزم شفتيه وقال بجفاء: 
- لا أعطيك الماء.. ولكنني أبيعك القربة بخمسة دراهم، وكنت عطشاناً جداً فأعطيته الدراهم الخمسة وأخذت القربة، وكنت أحس بالغيظ والغضب لفعل هذا الأعرابي الذي باعني الماء. فقررت معاقبته، فأخرجت من متاعي قدراً فيه حلوى مصنوعة من التمر تسمى السويق، وكان الذي يأكل منها يشعر بالعطش. فقلت للأعرابي: 
- تفضل كل معي شيئاً من السويق. 
ولم يصدق الأعرابي ما سمع، فاندفع يلتهم الحلوى التهاماً، حتى أحس بالعطش فقال لي: 
- أعطني شربة ماء.

فرفضت أن أعطيه شربة، فراح يسأل ويلح ويتوسل.. وعطشه يزداد حتى صرخ: أرجوك أعطني جرعة ماء فإن العطش سيقتلني. 
فقلت له: - أبيعك الجرعة بخمسة دراهم 
فوافق حالاً ودفع لي الدراهم الخمسة وأعطيته جرعة ماء. فاسترددت دراهمي الخمسة وبقي معي الماء كله.


جزاء الخيانة 

علمت أن رجلاً جاء إلى بغداد، وهو في طريقه إلى مكة للحج، وكان معه عقدٌ من اللؤلؤ النادر الثمين يساوي ألف دينار. أراد الرجل أن يبيع العقد لكنه لم ينجح لأنه طلب فيه مبلغاً كبيراً، وعندما قرب موعد الحج ذهب الرجل إلى عطارٍ (بقال) موصوف بالخير والأمانة.. وقال له: 
- يا أخي لقد عزمت الذهاب إلى الحج ومعي هذا العقد، ولكنني أخاف أن يسلبه اللصوص مني في الطريق، فأرجو أن تجعله أمانةً عندك حتى أعود من السفر. 
نظر العطار إلى العقد فأصيب بالانبهار. فلقد كان عقداً ثميناً حقاً وقال: 
- اذهب يا أخي وكن مطمئناً فعقدك عندي حتى تعود. 
ذهب الرجل إلى الحج وأدى الفريضة ثم عاد إلى بغداد وهو يحمل معه هديةً من بيت الله إلى العطار، فلما وصل بيته قرع عليه الباب فأطل العطار من النافذة. 
قال الرجل: 
- السلام عليكم يا صديقي.. لقد جئتك بهديةٍ من مكة، فسأله العطار منكراً: من أنت؟ 
أجاب الرجل: 
- أنا صاحب العقد ألا تذكرني؟

وقبل أن يتم الرجل كلامه رفسه العطار رفسةً قويةً ألقت به بعيداً، فاجتمع الناس حوله، وحكى لهم قصة العقد الذي أودعه عند العطار، فسخر الناس منه وكذبوه قائلين: 
- يا رجل. ألم تجد غير العطار تدعي عليه مثل هذه الكذبة؟.. إنه رجلٌ أمين. 
فتحير الحاج وذهب للرجل في دكانه في اليوم التالي وطالبه بالعقد فلم يحصل منه على غير الشتم والضرب. 
جلس الحاج في السوق يائساً باكياً يندب سوء حظه وضياع عقده، فأوصاه أحد المارة بأن يذهب إلى الحاكم عضد الدولة*، فله في مثل هذه الأمور فراسةٌ وذكاء. 
ردد الرجل في نفسه: سأذهب إليه.. الذهاب خيرٌ لي من الجلوس والبكاء. سمع عضد الدولة الحكاية، وأحس بصدق الحاج وخيانة العطار وقرر أن يكشف الجريمة فقال للحاج: 
- اذهب إلى دكان العطار غداً، واقعد على دكته، فإن منعك فاجلس على دكةٍ تقابل دكانه من الصباح حتى المغرب، ولا تكلمه، وكرر جلوسك هذا ثلاثة أيامٍ. وفي اليوم الرابع سوف أمر عليك، فلا تنهض لي ولا تكلمني إلا بمقدار ما أسألك عنه. وعندما أنصرف عنك تقدم نحو العطار واطلب منه أن يرد العقد، فإن رده عليك فتعال إلي. 
فهم الحاج كلام عضد الدولة. وانطلق ليجلس أمام دكان العطار ثلاثة أيام متتالية، وكان العطار يراه ولا يكلمه. 
وفي اليوم الرابع اجتاز عضد الدولة السوق وهو بموكبه العظيم على فرسه، يحيط به الخدم والحشم ويلتف حوله الحراس والمرافقون، والناس تتفرج عليه، وعندما وصل عضد الدولة إلى دكان العطار ورأى الحاج جالساً أمامه.. قال له: 
- السلام عليكم. 
فلم ينهض الحاج من مكانه بل اكتفى برد السلام. وشعر الناس بالدهشة وتساءلوا من يكون هذا الرجل الذي سلم عليه عضد الدولة فلم ينهض له ويبالغ في احترامه؟.. فقال عضد الدولة مخاطباً الحاج: 
- يا أخي كيف تصل إلى بغداد ولا تزورنا، ولا تعرض علينا حاجاتك ومشاكلك؟ 
فلم يهتم الحاج لكلام عضد الدولة بل كان يجيب بأجوبةٍ سريعةًٍ متفقٍ عليها سابقاً. فانصرف عضد الدولة وترك الحاج في مكانه، وكان العطار يراقب ما يجري وهو يشعر بخوفٍِ شديد. وراح يندب سوء حظه ويردد في نفسه: 
- آه.. كيف أنكرت عقد هذا الرجل.. ويبدو أنه قريب عضد الدولة؟ الويل لي.. 
وهنا توجه الحاج إلى دكان البقال وقال له: 
- أرجع لي العقد أيها العطار. 
تلعثم العطار وارتبك وقال: 
- حسناً.. حسناً.. المعذرة. سأرده إليك. اللعنة على النسيان. لقد تذكرتك وتذكرت عقدك الآن. 
أخرج العطار العقد من جرةٍ كانت في دكانه وقدمه للحاج وهو يكاد يغمى عليه من الخوف. 
أخذ الحاج العقد وذهب به إلى عضد الدولة وأخبره بما جرى. فأمر عضد الدولة حاجبه أن يأخذ العقد ويعلقه في عنق العطار ويصلبه بباب دكانه.. وراح الحراس ينادون: هذا جزاء من خان الأمانة. 
وعندما ذهب الناس سلم الحاجب العقد إلى صاحبه فأخذه وانصرف إلى بلدته وهو يلهج بحكمة عضد الدولة وعدالته. 


عندما ينشغل الفكر يغلط اللسان 

كان أحمد بن طولون** معتاداً على الخروج من داره وزيارة المساجد وسماع الأئمة والقراء فيها، وذات يومٍ مر بإمام أحد المساجد وسمعه يخطئ في قراءة القرآن، فعاد إلى قصره وطلب خادمه وأعطاه صرةً مليئةً بالمال وقال له: 
- اذهب إلى المسجد الفلاني وأعط لإمامه هذا المال فإنه بحاجةٍ إليه. ثم عد لي بخبره. 
مضى الخادم يقطع دروب القاهرة وحاراتها وسأل عن المسجد وخطيبه فدلوه عليه. 
دخل الخادم على إمام المسجد وراح يتوسع معه في الحديث، ثم قدم له صرة المال ففرح وقال: 
- الحمد لله، إن زوجتي على وشك الولادة ولم يكن معي من المال شيئاً، وظل فكري مشغولاً في ذلك حتى إنني غلطت في قراءة القرآن عدة مرات. 
عاد الرجل إلى ابن طولون وأخبره بقصة إمام الجامع، فقال: 
- لقد صدق الرجل، فقد وقفت أمس لأستمع إليه فوجدته يغلط عدة مرات. ومن المستحيل أن يغلط إمام الجامع في القرآن لو لم يكن ذهنه مشغولاً بمشكلةٍ أو حادث. 

فطنة صبي 

ذات يوم رأى الأصمعي*** فتىً صغيراً من فتيان العرب وأحب أن يمازحه فقال له: 
- يا بني.. هل تحب أن يكون عندك مائة ألف درهم بشرط أن تكون أحمق؟ 
هز الصبي رأسه نافياً بشدةٍ وقال: 
- لا. لا أحب ذلك والله. 
فعاد الأصمعي يسأله: 
- ولماذا؟ 
رد الصبي: لأنني أخاف أن يدفعني حمقي لأن أقوم بحماقةٍ تبذر المال فأخسره ويبقى علي الحمق وحده. 
ثم انطلق يعدو بعيداً تاركاً الأصمعي معجباً مزهواً بفطنة هذا الصبي وذكائه.
أين التين؟ 

كان أحد البخلاء يجلس بباب بيته وبين يديه طبقٌ من التين، جاءه هديةً من جارٍ له. فأبصر أحد الأعراب يتقدم منه فخاف أن يسيل لعاب الأعرابي وتمتد يده إلى التين فأخفى التين تحت كسائه. لكن الأعرابي كان قد رأى ما فعله البخيل، وأحس بمقصده، فجاء وجالس قربه وراح يحادثه. 
أراد البخيل أن يشغل الأعرابي بشيءٍ فقال له: 
- هل تحفظ شيئاًَ من القرآن يا أخا العرب. 
فأجاب الأعرابي: 
- نعم.. أحفظ القرآن كله. 
فقال البخيل: 
- اقرأ لنا شيئاً من كتاب الله. 
فقرأ الأعرابي: (والزيتون وطور سنين). 
ولم يذكر كلمة "التين" في بداية الآية. 
فسأله البخيل: 
- وأين التين؟. 
وهو يقصد "أين كلمة التين في الآية الكريمة"؟. 
فقال الأعرابي: 
- التين تحت كسائك. 
ابتسم البخيل وشعر بالخجل. لكنه لم يخرج التين من تحت كسائه لأنه بخيلٌ كما علمتم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.